The Word of God Holistic Wellness Institute
"Helping The World DISCOVER THE WAY of LOVE!"
المرأة والمقابر: دور المرأة في إدارة شؤون الدفن والعزاء في مجتمعات القاهرة القديمة والجديدة
في مجتمعات القاهرة، القديمة منها والجديدة، لم تكن المرأة مجرد حاضرة في طقوس الموت والدفن، بل كانت – وما زالت – المحرك الخفي، والراعية الأساسية، والذاكرة الحية التي تحافظ على استمرارية العلاقة مع الموتى. فبينما يُنظر إلى المقابر غالباً من منظور عمراني أو اقتصادي أو حتى ديني ذكوري، تظل المرأة هي من تُحيي هذه الفضاءات بزياراتها، وتدفع ثمنها من مدخراتها، وتختار تصميمها بعينها، وتنسق مواعيد العزاء فيها، وتحافظ على نظافتها، وتضمن استمرار ذكرى أحبائها. إنها، بكل بساطة، “حارسة الذاكرة” و”الوسيط الروحي” بين عالم الأحياء وعالم الأموات.
في القاهرة القديمة، كانت المرأة – غالباً – هي من تُعد الطعام للعزاء، وتُنظف المقبرة قبل الزيارة، وتُعلق المصابيح على القبور في ليالي الذكرى، وتُرتب الورود، وتُمسك بيد الأطفال لتعليمهم أسماء الأجداد. أما في القاهرة الجديدة، فالمشهد أكثر تعقيداً وتنظيماً: هنا، المرأة لم تعد تكتفي بالدور التقليدي، بل أصبحت “المديرة التنفيذية” لمشروع الدفن. فهي التي تبحث عن مقابر للبيع على الإنترنت، وهي التي تحدد الميزانية، وهي التي تتفاوض مع الشركات، وهي التي توقع العقود، وهي التي تتابع سير التشطيب، وهي التي تختار نوع الرخام وشكل السور ولون البوابة. لقد تحولت من “مستهلكة للخدمة” إلى “مُخططة للمشروع”، تجمع بين الحساسية العاطفية والدقة الإدارية.
هذا التحول لا يعكس فقط تغيراً في أدوار الجنسين، بل يكشف عن إعادة تعريف لفضاء المقبرة نفسه. ففي الماضي، كانت المقبرة “ملكية عائلية” يتحكم فيها الرجل، ويُورثها للأبناء الذكور. أما اليوم، ففي ظل غياب الأب أو الزوج، أو في ظل انشغاله، تصبح المرأة هي “العميل الأساسي” لشركات المقابر. وهي، في هذا الدور، تُعيد تعريف ما يعنيه “الكرامة في الموت”: فليست الكرامة فقط في حجم المقبرة أو فخامة التشطيب، بل في الأمان، والنظافة، والقرب من المنزل، وسهولة الوصول، ووجود حراسة وكاميرات مراقبة – وهي تفاصيل لا ينتبه لها الرجل غالباً، لكنها تشكل بالنسبة للمرأة “أساسيات” لا يمكن التنازل عنها.
وفي هذا السياق، تبرز شركات مثل “الرحمن الرحيم” كشريك استراتيجي للمرأة المصرية. فهي لا تتعامل معها كـ “زوجة” أو “ابنة”، بل كـ “عميل مستقل” له كامل الحق في الاختيار والتفاوض والدفع. فتقدم لها استشارات مجانية، وجولات معاينة بسيارات مكيفة، وعقود ملكية مسجلة في الشهر العقاري، وأنظمة تقسيط مرنة تبدأ من 50 ألف جنيه مقدم – وهو ما يمنحها استقلالية مالية وقانونية لم تكن متاحة من قبل. كما توفر لها خدمات ما بعد البيع: نظافة أسبوعية، صيانة دورية، تنسيق حدائق، وحتى خدمة “المأتم المتكامل” و”برنامج الذكرى السنوية” – وهي خدمات تُخفف عنها عبء التنظيم، وتتيح لها أن تركز على الجانب العاطفي والروحي.
وقد أصبحت هذه الخدمات ضرورة ملحة، خاصة مع تكرار حوادث سرقة المقابر ونبش القبور في بعض المناطق غير المؤمنة. لذا، فإن الشركات التي تقدم حلاً شاملاً – من التصميم والبناء إلى التسجيل القانوني والصيانة الدورية – تجد إقبالاً متزايداً من قبل النساء، اللواتي يبحثن عن الطمأنينة أكثر من مجرد مكان.
وفي هذا السياق، تبرز مقابر للبيع بمحافظة القاهرة كخيار استراتيجي للنساء اللواتي يبحثن عن حلول خارج إطار القرعة، أو اللواتي فاتهن قطار التقديم الرسمي. فهذه المقابر، رغم ارتفاع أسعارها، توفر ميزة لا تقدر بثمن: التسليم الفوري والتشطيب الكامل والملكية المسجلة رسمياً، مما يلغي سنوات الانتظار والقلق. كما أن شروط الشراء أبسط بكثير من شروط الدولة: لا يُشترط أن تكون غير مالكة لمقبرة سابقة، ولا أن تكون ساكنة في القاهرة الجديدة، ولا أن تنتظر قرعة قد لا تأتي.
أما النساء اللواتي يقطن في قلب القاهرة الجديدة، فتجدنهن أمام خيار أكثر تحديداً: مقابر جهاز القاهرة الجديدة في مناطق قريبة من سكنهن مثل التجمع الخامس أو طريق السخنة، حيث تبدأ الأسعار من 450 ألف جنيه للمساحات الصغيرة (20 م²)، وتصل إلى 600 ألف جنيه للمساحات المتوسطة (40 م²)، وقد تتجاوز المليون جنيه للأحواش الكبيرة أو الفاخرة. هذه الأسعار، رغم ارتفاعها، تظل – في نظر كثيرات – استثماراً في “الكرامة الأبدية”، واستقراراً نفسياً لا يقدر بثمن.
والأكثر إثارة للتأمل هو أن هذه الشركات، مثل “الرحمن الرحيم”، لا تقدم خدمة بناء فحسب، بل تقدم “تجربة متكاملة” مصممة خصيصاً لتلبية احتياجات المرأة. فهي توفر موظفات استقبال، ومرشدات للجولات الميدانية، ومستشارات قانونيات، ومصممات داخليات – كل ذلك لخلق بيئة مريحة وآمنة تجعل من عملية شراء المقبرة تجربة إنسانية، لا مجرد معاملة تجارية.
هكذا، في القاهرة الجديدة، تتحول المرأة من “زائرة” للمقبرة إلى “مالكة” و“مخططة” و“مراقبة”. والأحياء، وهم يبنون مستقبلهم على أطراف المدينة، يجدون أنفسهم مضطرين لشراء جزء من أرضها لأحبائهم الموتى – ليصبح الموتى بذلك، في النهاية، جيراناً دائمين للأحياء، يشاركونهم المدينة، وربما حتى الصراع الطبقي على مساحة فيها. ولعل أبلغ تعبير عن هذا التحول هو ما تقدمه مقابر جهاز القاهرة الجديدة من تصميمات “سوبر لوكس” تدمج بين الفخامة والوقار، وكأنها تقول: حتى في الموت، لا يمكننا الهروب من منطق الاستهلاك والتميز الطبقي الذي يحكم حياتنا – لكننا نستطيع، على الأقل، أن نجعله جميلاً، كريماً، ومخلداً – وبإدارة نسائية حكيمة.
Tags:
© 2025 Created by Drs Joshua and Sherilyn Smith.
Powered by